السبت، 18 مايو 2013

ذَاتٌّ و ظِلّ




تخرج من عُزلتها ..

تدخل غرفتها الخاصة تفتح صنبور الماء الساخن 

تخلع ملابسها ثم تنزع عنها كُلها

تتجرد من ذاتها حتى تصبح عارية كُلياً 

تضعهم جميعاً أسفل قدميها الحافية

فتشعر بالخِفة و تستشعر الروح فيها

ترفض النظر إلى ذواتها الواقفة و المُلقاة 

تتجه نحو الماء الداف و البخار المتصاعد
ولا تدرى هل هو صاعد منها أم هابط إليها أم مُتداخل معها ؟!

تقف فى وسط المكان حيثُ مركز الكون و ُتغمض عينيها 
 ترفع رأسها للسماء بعِلو , ترفع يديها بضمة مُنحَنية للمتعالى 
تميل بكعب قدمها اليمنى للأعلى و اليسرى على الأرض ثابتة 
تَتنفس , تنعتق من مادية جسدها لتعتنق روحها , تَتنفس
لا تُفكر , لا تتكلم , لا ترى , لا تسمع , و تَتنفس
تدور بخِفة , تدور , تدور , ثم تدور فلا تتوقف 

ترتفع يديها للأعلى نحو السماء و تفتح يديها المضمومة 
رُبما أتسع كَفيها لتحتضن كُل الكُل فيستوعبة ضمتها ,

رُبما يتثنى للنور أن يَعبُر من الوسط حيثُ مركزها ليخترق روحها
فيُبارك نفسها و قلبها و عقلها وكل تكوينها حين يتسلل ببقاياها المُنهكة
فـ يذوى السواد المتناهى و يكون البياض اللامتناهى حد النورانية و الطُهّر 
فتتحد مع النور حد التكامل , حد الإيمان التام الذى تسعى أن تصل إليه ,

و رُبما يرفعها إليه ويأخذها فتكون معه دائمً و أبداً فتُشفى من سَقم الدنيا ,

رُبما حَدثها بإجابات جميع أسلئتها عنه التى تؤرقها فتجعلها تنشغل به عنه  !

تدور و تدور فتسمو دواخلها وكأنها تطوف حول روح الروح 
تدور و تدور فتتجرد منها , من جهلها , من كل القذارة التى تشوهها 
تدور و تدور فتتجرد من صورة ذاتها , تدور حد الإلتحام بحقيقتها الكامنة 
تدور و تدور خاشعة فتبكى و يتساقط من عينيها دموع طاهرة 

هل أرتفعت للسماء حقاً أم إنها مازالت على الأرض ؟
هى لا تدرى أى شىء و لم تعد تهتم بهذا الجزء , فـ هى للكُل الآن راحلة 

هذا الطريق يتسع لها و بريق الضىّ يجذبها فيخف الدوران 
تتزن ثم تسير بالطريق و كلما مَشت كلما أتسع و طال 
فلا تُدرك كم يفصلها عنه من المسافات الزمنية 
رغم أن المسافة الروحية أصبحت قريبة وفق تصورها 

ثم لَمحت نَجم أبيض جداً بسماء كونها 
 فعادت لتدور فترتفع لعلها تصل 
فتدور و تدور وتعلو ولا تصل !

تبكى و تسأل روحها لما يُعذبها و يبتعد كلما أقتربت ؟
 فتُجيب دواخلها :
( لـ يُطهرك , لـ يُعيد إليك فطرتك , هو قريب جداً منكِ و لكنك لا تشعرى لأنك مُثقلة بالعَبث )
و تنحنى خجلاً منه , تسأل كيف له أن يكون بمثل هذا الإرتقاء و تلك الرحمة اللامتناهية ؟

تدور و تدور من أجل الطُهّر حَد التَعب 
فهى بحاجة لأن تتجرد منها حد البَعث ,

تقف فى المنتصف بإنحناءة و تصمت .. 

يتصاعد منها الدخان و يهبط 
يتداخل معها فتتوهج حالتها

 تتوقف عن الدوران , تتزن ثم تعود لعُزلتها 
ولا تنفصل عن غايتها بمناجاتة للوصول 
تبقى قريبة منه و تحاول أن تتصل ,

تَستغنى عن الكل للواحد
تستغنى بإرادتها فلا تُسلب , بل تُسلبهم هُم 

يُمزقها هذا و هذه , فتقاوم
تَفقد الجميع , ولا تستسلم

تصمد ,  تصمت 

فتُدرك أن الصمت ليس فُقد يسلب منها الناس و الاشياء عِنوة ,
إنما الصمت إستغناء بالإرادة لأجل مَنحها القوة و تَكشُف الحقائق لها منها .
و مابين معاناتها فى تَعلُم الصمت و أن تلتزم الصمت بالفعل كل الوقت 
تجردت منها الشهوة الكاذبة و بعض جَهلها فأعتنقتها فضيلة العقل الراقية ,

راجعت مُعتقادتها و ثوابتها لتُفَندها ثم تُعيد تشكيلها 
فتتخلص من ظاهر معارفها و من كل إرتباك يشوشها . 

فـ فى العُزلة تتجلى لها ذاتها 
يتكشف لها إنعكاس صورتها 
تتجرد مما هو زائد عليها
تعرف ماهية دواخلها

تُميز بين صدق و زيف علاقاتها 
فتستغنى عنهم بقوة إرادتها 

تبقى وحدها و يحتويها ظِلها 
تنهض بها , تتصالح معها , ترتقى بذاتها , تتطهر دواخلها ,

و رغم ذالك يبقى الصراع قائم بين ذاتها و ظِلها حتى تصل 

و تستمر اللُعبة 

ولا تصل 

بينما هى تؤمن إنها يومً ما ستفعلها ,

وتصل .

..

انتهى
..

نورهان محمود 

..

 مايو 2013

هناك تعليق واحد:

  1. الله

    راااااااااائعة

    لحظة من لحظات التجلي والصفاء الروحي قدرتي تعبري عنها بأسلوب جميل جدا
    مافتكرش أبدًا قرأت حاجة شبيهه لتدوينتك

    قدرتك على الوصف غير عادية.. خلتيني قادر أتخيل المشهد من بره ومن جوه

    بالتوفيق دايما

    ردحذف