الأربعاء، 19 نوفمبر 2014

العارف ضالّ إن سَلك الطريق و هو عارف






}  العارف ضالّ إن سَلك الطريق و هو عارف , فالغايات نبلغُها فى المُنتهى {


خاطرة كتبتها مُنذ أيام كتعبير عن إدراك ما قد تحقق لىِّ

 حيثُ تبين لىِّ لماذا كلما سَلكت طريق يكون النور خافت فى أولهِ و العَتمة تُخيم على بقيتهِ 

مازلت لم أستوعب تلك الصدمة .. تلك الصدمة فى نفسى و فى ماهية الطريق الذى لم أجده إلى الآن !

مُنذ عامين بعد أن تخليت عن شغفى بالصحافة و تركت العمل بالجريدة

صار الكل يسألنى عن خطط ما بعد الجامعة و كنت بثقة تامة أقول لهم إننى بعد التخرج 

سأقوم بعمل " دبلومة تربوى " لكى أكون مؤهلة للعمل كـ " مدرسة فلسفة " 

كان شغفى بالفلسفة و ما تركته من أثر فى ذاتىّ كـ روح و عقل يدفعنى للقناعه التامة 

بنشر هذا الفكر العظيم و ما لهُ من أثر عميق و تلك الصَحوة المُفجعة و هذا الأكتمال العجيب  

رغم كم الألم العظيم الذى قادتنى إليه و هذا التيِه الذى كان ومازال إلا إنها نور واضح و شُعله لهب 

أيقظت فيّا الذاتّ المهجورة مُنذ سنين و تلك الأسئله الوجودية الفطرية و هذا الشغف بالهوية 

و تخرجت من الجامعة بالفعل و واجهت بعض خيبات الواقع التى لا تعترف بالفلسفة و الفِكر

و ترفض كل سائل أو باحث عن النور و اليقين , و كل من يسعى ليتحرر من قيد المُسلمات العقيم

  و حين بدأت العمل فى مجالات لا أرغب بها على الإطلاق بعد يأس طويل بدأت تتحطم كل تصوراتى

و شعرت بفجوة كبيرة بين تعاليمى و تصوراتى و أحلامى و عالمى الخاص و الواقع الواقعى المُعاش 

هذا الشر الكامن فى نفوس الآخرين المُتخفى وراء ستار التنافسية و البقاء للأكثر خُبثاً 

و التناقض التام بين الدين و المتدين , العَبث السياسى ,  الإنحطاط الأخلاقى , التضارب الأسرى

و تلك القِله التائه الباحثة عن ذاتها و عن الله و عن نور الطريق , و القِله المُتسقين العارفين

صار يؤرقنى غياب اليقين 

و لم أتقبل واقعى أبداً و لكنى عيشت فيهِ رغم عنى حتى لا تقودنى كآبتى إلى هلاك أعظم من هلاكى الحالى 

لعلى بإنشغالى أستطيع النسيان أو أتناسى لبعض الوقت حتى يحين موعد الدراسة بالدبلومة العام الجديد

لم أكن راضية عن نفسى أبدا و لكنى كنت فى إستسلام تام لما أنا فيه , أبذل كل الجُهد لأنسى

و لكن فى الليل كانت تطاردنى الأفكار و تتكاثر الأسئله و يُعذبنى صوت الضمير

شاء القدر أن أستجيب لصديقتى و أذهب معها لأبحث عن إجابات لأسئلتى

تلك الأسئله العقائدية الفطرية الوجودية التى تؤرقنى بتراكمها مُنذ سنين

و حين كان و كنت أتلقى العِلم ببعض أساسيات الإيمان و الدين 

وجدت أن تلك الأسئله الفلسفية العميقة المؤلمة التى أسألها مُنذ الصِغر حد الكِبر

هى فى جوهرها أسئله عقائدية بَحته لن تُجيب عنها الفلسفه أبدا إنما هى فقط تُمهد الطريق إلى دواخلنا

و تُنظم طريقة البحث و التَفكُر فيها  , و أن الدين وَحدهُ هو المُجيب إن سعينا فبحثنا فتعرفنا عليهِ 

تلك الأسئله " الفلسفية " هى فى الأصل " عقائدية " و إنما تحتاج فى الإجابة لكليهما 

و تكَشف لىِّ كَم الزيف الذى يسكن عقلى و هذا الكِبر الذى يحتَل نفسى 

و من هنا بدأت أسألنى :  هل أنا بالفعل مؤهله لأن أكون مُعلمة فلسفة ؟

هذا السؤال كان مُخيف جداً بالنسبهِ لىِّ و رغم ذالك لم أتردد فى قول " لا " 

لا أنا لا أصلُح لأن أكون مُعلمة فلسفة !

تلك الصدمة لم تكن هَينه و لم يكن سهل تَقبُلها أبدا 

و لكن أحيانا لا ينبغى فعل شىء إلا الصدق مع أنفُسنا و الإستجابة لصوت الضمير

إننى بالفعل لا أصلُح أن أكون مُعلمة فلسفة .. لماذا ؟

لإن هؤلاء الطلبه سيظنون إنى أمتلك إجابات أسئلتهم الشائكة الحساسه جداً عن الله

هؤلاء المراهقين التائهين فى دواخلهم بين تلك الشكوك و هذا الواقع الذى يسخر منهم 

و تلك الشكوك التى يخافون الإفصاح عنها لكى لا يتهمهم الكِبار بالشَطح و الكُفر

و إذا سألوا لن يجدوا إلا السُخرية أو التجاهل أو الإجابة الخاطئة 

فماذا سأفعل أنا حين يثق فيا البعض و يسألنى ؟

يا الله 

لا أستطيع أن أتجاهلهم مثل البَقية و لا يَصح أن لا أُجيب 

فكيف لا أُجيب و أنا بالنسبه لهم مصدر معرفى ؟

إننى لا أستطيع تخيل بشاعة الموقف , ليس فقط لإنى لا أملك إجابة 

إنما لأنى فى مثل عُمرهم إلى الآن لدى ذات الأسئله و لم أتكلف العناء لأبحث عن الإجابات

 و من زاوية أخرى أنا لا أمتلك هذا القدر من المعلومات الفلسفية عن الفلسفة و الفلاسفة 

و هذا لا يرجع إلى قدرتى الضعيفة على تَذكُر المعلومات أو الفَشل الدراسى 

لا , و إنما لأنى خلال الأربع سنوات الدراسية لم يكن يعنينى من الفلسفة إلا ما أريد

لم أهتم بالنظريات و تعددها و لم أهتم بالجدل بين الفلاسفة حول سؤال ما

كل ما كان يعنينى أن أجد الإجابات لكل الأسئله المُتراكمة

كانت غايتى الإجابات و تَحقُق الرُقى الروحى و الفِكرى و تطبيق المبادىء المثالية و بلوغ الإتساق

نعم , إننى لا أصلح أن أكون مُعلمة للفلسفة بكل الأحوال

وجع يؤلم رأسى و روحى و كأن كل ما كان قد صار سراب !

هل هذا ضلال ؟

نعم , هذا ضلال العارف حين ظَن إنهُ عارف و هو يَسلُك الطريق 

تـيـِه 

ألم

و سؤال 

هل أصلح لشىء ما ؟

تلك الدبلومة التربوى التى أدرسها الآن قد بدأتها و أنا أعرف إننى لن أحصل إلا على 2% من غايتى

و لكن هل تؤهلنى لشىء ما سوى الحصول على وظيفة فى مدرسة ؟

شخصياً أستفاد الكثير من دراستى على المستوى المعرفى التربوى

و لكن بماذا ستُفيد التربية وَحدها إن كُنت خاوية دون عِلم ؟

فَكرت بالعمل مع الأطفال كـ " مدرسة رياض أطفال " لأنى أفيضُ بهم شغفاً

و لأن الأمر يعتمد بالدرجة الأولى على التعاملات التربوية السلوكية 

و لكن هل أخدعنى ؟ 

إن الأطفال يسألون أكثر من الكِبار , و لا يخافون السؤال و ينتظرون فى اللحظة ذاتها الأجوبة

و ستكون النصف إجابة المُبسطة لهم غير كافية فالسؤال يقودهم لألف سؤال

ماذا سأفعل حينها ؟

هل ستتملكنى تلك الرَهبه التى تدفعنى للهروب ؟

أم ستتملكنى تلك الرغبة التى تدفعنى لبلوغ الغاية ؟

تلك الغايات التى نبلُغها فى المُنتهى 



يا الله

ضللت الطريق و لا أدرى لأى طريق اتجه و لا أدرى ما الهدف من أى طريق ؟

يوما ما سيكون عليا أن أعمل , و أنا لا أريد أن أعمل ما لا أطيق

و لا أريد أن أعمل ما لا أُدرك , و لا أن أعمل عمل ما لا يستوعبنى

و لا أعمل بما أنا لست مؤهله للعمل بهِ 

هل أنا التى تُبالغ فى التعقيد ؟

لا , أنا لا أريد أن أكون مثلهم 

و لا أريد أن يتملكنى اليأس

فعين قلبى احيانا لا ترى 

و لا أعرف ماذا أريد بالضبط , رغم إنى أُدرك ماذا أحتاج و ما ينقُصنى !

اللهم إنى ضَللت الطريق لإنى توهمت إنى أعرفهُ , فارشدنى للطريق الذى تعرف و لا أعرف

اللهم عافنى من جهلى و ضعف إرادتى 

اللهم لا تُخمد بدواخلى الشغف و لا تُسكِت صوت الضمير بدواخلى 

اللهم أعنى على البحث و السعى فى هذا العَبث الواقعى 

اللهم نور , اللهم شَغف , اللهم حِلم , اللهم هَدف

   اللهم العِلم بِكَ , اللهم أنتَ يارب

..

نورهان محمود


19 نوفمبر 2014


هناك تعليقان (2):

  1. معلم الفلسفة، من وجهة نظري، ليس واجبه أن يُعطي إجابات على أسئلة تلامذته وإن لم يستطع فشل. بل واجب معلم الفلسفة أن يُعَلِّم تلامذته كيف يتساءلون، فالتساؤل وحتى إن بدى أنه تسلسل لانهائي فإنه يقود لإجابات، حتى وإن قادت بدورها إلى أسئلة أخرى. فالتساؤل مثله مثل الإجابة، يُراكم المعارف، ولا ينقص حينها إلا التربيط بينها.
    واجبه أن يُعلِّمهم أن الأسئلة الوجودية لا يحمل لها شخص إجابات نموذجية، فكل سؤال منها إجابته النموذجية عند سائله ذاته، وواجبه إيجادها.
    فلا جدوى لأي إجابة لم تستمد برهانها ومنطقيتها ويقينها من روحنا وعقلنا ووجداننا.
    قلتها منذ أيام لصديق، الفلسفة ليست كلمات "مجعلصة" هي فقط رأي بسيط يستند لرؤية عميقة، والرؤية العميقة ليس شرطاً أن تكون لقضايا وجودية أو عقائدية بحتة ومعقدة لتكسبها ثوب العظمة والإهتمام، بل ربما لمشاكل وعُقد بسيطة أو سطحية، فالجزيئات البسيطة في حياة الإنسان هي مُكَوُّن قضاياه العميقة والمعقدة.
    فلتعلمي تلامذتك قيمة السؤال، وحينها سيعرفون قيمة السعي للإجابة، وعظمة استخلاصها بنفسنا وعقلنا وروحنا ووجداننا.
    ليس شرطا إن فشلنا في إيجاد إجابات لأسئلتنا أن نشك في قدراتنا أو نمتنع عن عطاء ما نحمل في فكرنا انسياقاً خلف فكرة بماذا سأفيد غيري وأنا لم أفد نفسي. أو خوفاً من أن نجابه ما يذكرنا بفشلنا أو ما يؤكده.
    فالواقع أن كل هذا ليس كفيل أبداً بأن نصمت، أو نخرج ما عندنا. فمنذ آدم إلى اليوم لم يعتقد حكيم أنه نجح في الوصول للحقيقة، أو في الوصول لإجابات عن أسئلته الوجودية، ورغم ذلك فكر وقال وتكلم.
    ..
    فقط فكري وقولي وتكلمي.
    .

    ردحذف
  2. ابداع حقيقيى تسلم الايادي
    نيرونت

    ردحذف