الجمعة، 29 نوفمبر 2013

خذلان




عزيزتى صوفيا

لا تأتى هُنا و أبقى روح عند الله حتى آتى إليكِ أنا , أنا لن أقدر على تحمُل مسؤلية تلك الروح فيكِ من الله
أرجوكِ عزيزتى لا تغضبى , و لا تظنى بى الظنون بإنى لم أعد أُحبك مثل قبل و أن غيرك أخذ مكانتك بدواخلى ,
و إنما قد علمتنى الفلسفة أن التصور مُغاير للواقع و أن التمنى مُغاير للممارسة و قد أختبرت ذالك بنفسى ,
تعرفين إننى مُنذ الصِغر تمنيتك و تخيلتك و إننى أحاول إعداد نفىسى لليوم الذى ستكونى لىِّ واقع مُتحقق و أحتضنك بكُلى ,
قرأت عن تربية الأطفال الكثير و عن الاحتواء بالمحبة الكثير و خططت لحياتى معك و كيف سأُعاملك كـ إنسانه و أُربيكِ برحمه
وأرتقى بروح الله فيكِ و أُحسن إليكِ , حاولت تغيير ذاتى من العُمق و مازلت ماضية فى طريقى للتَعلُم و التَغيُر , لله و لنفسى
و لكنى عزيزتى بالممارسة عرفت إنى لن أستطيع ....

مُنذ جاء أخى الصغير للدنيا و أنا فَرحة كـ فرحة مريم العذراء بالنبى عيسى و كأن أخى هو ابن روحى و قلبى كـ أنتِ !
و قد قررت مُنذ ذالك الوقت أن أستمر فى التعَلُم و التَغُير و القراءة و تطبيق ما عرفت و ممارسة ما قررت أن أفعل معكِ حين تأتى, فى البداية كانت محبتى تقودنى فكنت أغمُر أخى بكل الحنان و الاهتمام و وهبت وقتى له كما وهبنى البهجة و الوصل , مرت السنوات الاولى و كنت له أُم و كُنت أراكِ فيه و أُحبك أكثر من خلال روحه و فى إبتسامتة و زادت رغبتى بأن أصبح فى المستقبل القريب أُم حتى يأتى ذالك اليوم الذى يضع الله سره فى رَحمى فتكونى أنتِ و تُشرقى بنورك على حياتى , ولكن عزيزتى قد أصبح الأمر الآن بالنسبه لىِّ مُختلف جداً عن ذى قبل .. لم أعد أُريدك أن تأتى و لم أعد أريد أن أصبح أُم , لا أريد أن أتزوج و أتحمل ما ينبغى

أعتذر منكِ عزيزتى .. أرجوكِ لا تتألمى من قولى هذا
أستمعى للبقية و ستتفهمى إنى لا أُريدك لأجلك و أنك عند الله أرقى و أسعد .
عزيزتى صوفيا
يا من يبكى قلبى حنان حين ينطق بإسمك , يا من تمنيت بهجة قُربك و خِفَه إحتوائك
الواقع لم يعد كما كان أو إننى التى كانت لا تُدركه و رُبما أنا لم أعد كما كُنت , لا أدرى !
إننى أُفكر الآن لماذا سأُنجبك ؟
هل هى رغبة ستنتهى بمُجرد التحَقُق ؟ أم إنه تَمنى صادق لتكونى لىِّ شبيهى الذى أكتمل به ؟
هل سأكون مُستحقة لكِ و لعظمه روح الله فيكِ ؟ هل ستفخرين بىِّ أم سيُصيبك منى الخذلان ؟
عزيزتى إننى كائن مزاجى جداً و من يرتبط بىِّ يتعلق جداً حد رفضى أنا و هجرى , و من يرفضنى أجعله يختنق بحُبى , و أنا لا أُريد لكِ ذالك !
عزيزتى إن الواقع أيضاً مُعقد جداً حد إنه سيرفضك إن رغبتى بفرض سيطرتك و تغييره , و المجتمع سيسخر منكِ إن حاولتى أن تكونى أنتِ و كسرتى دائرته المُقدسه و لم تتبعى , لا تتعجبى فإن اللاإنسانية صارت مُبتغانا وقد أصبحنا نشتهى الخلافات السياسة كما يشتهى البعض الجنس فتشوهنا و لم نعد كما كُنا , إغتربنا , و فقدنا هويتنا و دُنست فطرتنا !
عزيزتى إنهم هُنا يحاولون قتل الله فينا و قد شوهوا فطرتنا البيضاء حد إننا أصبحنا بلا أخلاق , تافهين , جُهلاء  , تُعساء !
كل يوم يثيرون فتنة فننشغل بها فننسى مهامنا الأساسية و نستغرق فيها حتى يُثار غيرها  , تخيلى إن جميع الأشياء عندنا صارت مُقدسة  الأشخاص , العادات , الأفكار , الجمادات حد آنـا نسينا قُدسية الله و الجمال !

إننا نهتم بالكراهيه و تعزيز البُغض تجاه البعض , و نهتم أكثر بنقد الظواهر و التقليل من شأن الآخرين , إننا نحتقر عامل النظافة و الخياط و السباك و المتسول , إننا نُعظم المنافقون و أصحاب السلطة و المال و يُبهرنا من هو من الظاهر براق و مهندم الملابس , لقد سيطرت علينا المادية و الظاهرية و الغباء  فأصبحنا نعيش فى إنحطاط تام و نحتقر من هو عالم أو فنان و نتجاهل من يبحث فى ذاته عن الله !
لم يعد للأهل هيبه , م يعد لصله الرحم مكانه , لم يعد للعلم و التعلم وقت , إننا نقتل بعضنا البعض حتى صارت رائحه كل الأرض دم, حتى نسى الجميع القدس و مسجدنا الأقصى و إن تذكروا صاروا يدعون على أهلها بل إنهم لا يبالوا بحال سوريا و لم يتدخلوا لإغاثة بورما , و ضحكوا لإحتراق الكنائس و سخروا من هدم المساجد  !
إننا حيوانات تلهث لتقتل بعضها البعض و لو بالكلمات , لا جمال , لا أخلاق , لا سعادة , لا حب , لا إنتماء
و القليل الذى مازال يحمل هويته الإنسانية بداخله صامت مُحتجب غير مرئى و كأنه لا يوجد داخل العالم , فَقدَ صوته من كثره صمته  ذوت ملامحه من كثره إحتجابه عنهم و إن تحدث أخرسوا صوته و إن حاول إثبات وجوده قتلوه !
فإن أنجبتك كيف سأحميكِ منهم و من تأثرهم السلبى عليكِ ؟ كيف سأُحافظ لكِ على إنسانيتك و قُدسية دواخلك ؟ 
كيف أًساعدك على التعايش مع قذاره الواقع و إبقاء روحك طاهره و فِكرك حُر ؟
هذا ليس كل شىء عزيزتى و إنما هذا جانب كنت أظنه إنه الوحيد الذى سيؤرقنى فى تأمين حياه مُتزنه لكِ , و إنما ذاتى هى التى تؤرقنى , إننى بقدر ما سأُحبك سأكره ذاتى كل يوم !
عزيزتى لا تغضبى .. سأحكى لكِ البقيه و ستُقدرى
إن أخى يكبر حد أصبح شديد التعلُق بىِّ و أصبحت أنا لا أطيق هذا التعَلُق و أهرب منه , يحتاج لىِّ و أنا أبتعد .. تخيلى !   تعلمين إننى فى أوقات الدراسه كُنت أُحب أن أعود للبيت مُسرعه كى أكون معه و أن لا أنام كثيراً حتى ألعب معه , لم يكن يعنينى أن ينتهى مصروفى الشهر فى أول الشهر مادُمت سأهديه ما يُبهجه , إن نام كنت أذهب للنوم بجانبه أحتضن كَف يَدهُ و أظل أحكى له الحكايات و أحكى لكل الصديقات عنه و عن عِشقى اللامُتناهى لهُ .. إنما الآن تغير كل شىء , أنا تغيرت !
أصبح حُبى إليه دمار لنفسيتهُ و عِبء علىِّ لأننى لم أعد قادره على تحمل مسؤليته و قدر إحتياجه إلىِّ , أغضب من نفسى فأبكى , 
إنه يريدنى كل الوقت و إنى مُنذ تخرجت من الجامعه أصبحت أحتاج لذاتى بعض الوقت لأُقرر مسار القادم من العُمر ,
 و إننى لم أعد قادرة على تحَمُل مسؤليه ذاتى حتى أحتَملهُ هو !                                                                                                           
كلما تعقد الواقع تعقدت ذاتى و اضطربت دواخلى فأصحبت غير قادرة على التواصل معه , إنه يسأل على الكثير الذى لا أعرف له إجابات رغم إنها أسئله وجوديه بديهيه كنت أسألها لأهلى و كان يُزعجنى أن لا أجد الجواب لديهم , و لكن لأننى أضعت الكثير من الوقت فى الصِغر فاتنى أن أُبحث عما كان يشغلنى , و حين  بدأت الآن البحث و جدت أن السؤال يقودنى لألف سؤال غيره و يؤرقنى الإجابات التى تكفى و لا تنتهى !  يسألنى أخى عن الله و الأنبياء و هو لا يدرى كم يُثقلنى بالهَم حينما يفعل .. فهو لا يدرى كم من عُمرى أنفصلت عن الله و لم أعرف عن الأنبياء و أن كل ما أعرفه لا يُدرك بالعقل و إنما بالحِس .. فكيف أُقنعه أن يحَس الله بدواخله و أن يتحلى بـ خُصال النبى ؟
إنه يجعلنى أغضب من نفسى فأبكى , و يُذكرنى بقرارى بالبحث عن الله فيّا و عن ذاتى فأستغرق حد التيِه .
عزيزتى ليس يسير أن أُزرع فى طفل الحُب الإنسانى و إننا من الكل و الكل نحنُ , 
 ليس ييسر أ لا أتحدث أمامه بدّونيه عن الآخرين مهما كانت أفعالهم بغيضه , و ألا أُشير إلى الطبقيه المجتمعيه و العنصريه الدينيه و التعصبات الحزبيه , ألا أُحرم عليه ما هو مُباح للجميع و أجعله يمتلىء بالتناقضات الأخلاقيه , ألا أُتيح له ما يَحل بأوهام تقليديه , ألا يتبع الظِلّ و يتحرر من الخوف , ألا يشك حتى يتيقن .. و إن تيسر لىِّ كل ذالك كيف سأحميه منه حين يكون مع الآخرين ؟
بدأت أفقد صبرى لتحَمُل تَغيُرات أخى الشخصيه و تَعلُقه المُفرط بىِّ , كما بدأ هو يفقد ثقته و محبته لىِّ  وكأننى تمثال قد بناه فى الصِغر ثم بدأ يُحطمه من هول صدمته فيه , بعدما توقع إنه كلما أحتاج إليّا سأفيض عليه مَحبه و دلال و لكننى فى المقابل أصمده بصمتى و إبتعادى حتى صار يحفظ أعذارى و يُرددها لىِّ كلما حاولت التهرب منهُ !
إنه يحتاج كل يوم أن أُذاكر له  دروسه ثم أهتم بنفسيته و أستمع بإهتمام لحكايته و خيالاته , أن أنتبه لمواهبه و أرعاها , أن أُجيب على تساؤلاته بصدق و معرفه , أن أُبدع فى تحضير وجبات طعامه حتى يأكل , أن ألعب معه النصف الآخر من اليوم , و ليس لأننى أخته لا أمه لا أطيق أن أفعل كل ذالك , فإنى بالفعل الآن أمتلك كل الوقت لأفعل كل ذالك من متطلبات ,
فإن ما يحتاجه الطفل يفوق طاقه المُنشغل بإصلاح ذاته , فإما أن يهتم بذاته و يترك الطفل أو يهتم بالطفل و يتناسى ذاته
و أنا يا عزيزتى لا أرى أن الاختيار بينهما طبيعى  و إنما أرى إنه يجب من البدايه تحديد الأولوية ؟ و لا أريد أن أتعامل بآليه معهما .

فلماذا نتزوج و نوثق الرابط مع إنسان آخر فنتحمل مسؤليه فوق مسؤليتنا عن الذَاتّ و نحن غير قادرين على تحمل مسؤليتنا ؟!  كيف نورط أنفُسنا فى الارتباط بين حياتين مُختلفين و نحن لا نستطيع التعايش مع واحده فقط ؟! لماذا لا تكتفى بذواتنا و حين نُتمم مُهمتنا معها من إصلاح و تثقيف و إتزان نبدأ بإختيار مُشاركتها مع آخر ثم مع روح جديده ؟!   لماذا لا يكون للزواج أهداف و تأهيل و للإنجاب خطه و تثقيف ؟ لماذا هُناك سن مُحدد للأُنثى تُتهم فيه بإنها لا تَصلُح ؟! لماذا تنهال علينا الأمهات باللعنات إن رفضنا الزاوج فى وقت ما و تُعاملنا كأننا عبء عليهم يجب أن يزول الآن ؟!
إننى لست ضد الزواج و إنجابك عزيزتى و إنما فى هذا الشأن لا مجال للعاطفه بقدر ما ينبغى أن أكون مؤهله لذالك , أن أكون بلغت مع ذاتى قدر من النُضج و الإتزان و كثير من الدين و الفِكر و الأفعال التى تتسق مع هذا و ذاك ,
  فما أقبح أن يكون الزواج يعنى لنّا إلتصاق أجساد و لا يكون إتساق أرواح , وما أقبح أن يكون الإنجاب تورط عابر ولا يكون هدف للإعمار  .        
عزيزتى صوفيا لعلك تُدركى الآن مَقصدى , و إنى عزيزتى أُحبك مُنذ القدم حتى اللقاء 
فإنى مازلت أبحث عن ذاتى و أحاول تحقيقها , وإنى لا أُريد لىِّ و لكِ الخذلان .

..
انتهى
..
نورهان محمود
..
نهايات نوفمبر 2013      

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق